الجِهـادُ بالنيَّـةِ ..!
صفحة 1 من اصل 1
الجِهـادُ بالنيَّـةِ ..!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النية الصادقة أكبر معين في معركة العقيدة
وأهم عامل للنجاح في شتى مناحي الحياة .
النيَّـة الصادقة معيار قبول الأعمال ، وأساس التوفيق والنجاح في شتى ميادين الحياة ، بها تنقلب العادة عبادة ، ويصعد العمل الصالح إلى الله ـ عز وجل ـ ، وكلما صدقت النيَّـة وصحت نزل العون ، والتأييد من السماء .
من المواقف التي يتجلى فيها المعنى السابق واضحاً جلياً: فتح المدائن .
ففي السنة السادسة للهجرة ، وعقب فراغ "سعد بن أبي وقاص" من فتح بلدة " نهر شبر " على شاطئ دجلة ، قرر العبور إلى المدائن على الشاطئ الآخر ، لكن زيادة مياه دجلة كانت عظيمة لا يستطيع أحد عبورها ، ولا وسيلة غير العبور ، فماذا عساهم فاعلون ؟!
وقف سعد خطيباً بجيشه على شاطئ دجلة ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر ، فلا تخلصون إليهم معه ، وهم يخلصون إليكم إذا أرادوا ، فيناوشونكم في سفنهم ، وليس وراءكم شيء تخافون أن تُؤتوا منه ، وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحضركم الدنيا ، ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم، فمن مجيبي ؟ )
علت كلمات سعد على تلاطم أمواج دجلة ، وسرت في نفوس جند الإيمان فحرّكت في القلوب الشوق إلى لقاء الله ـ عز وجل ـ إنه جهاد النيّـة ...
هذا هو السلاح الذي لا يفل ، والقوة التي لا تُغلب ، وهل خلف القوم وراءهم كل غال وعزيز ، واستقبلوا الموت إلا من أجل هذه الغاية ؟
فصاحوا جميعاً : عزم الله لنا ولك الخير ، فافعل ..
وسارع الشجعان ، وذوو البأس إلى العبور الفوري ، وبلغ عددهم ستمائة فارسوصاح مقدمهم : أتخافون هذه النطفة !
وقرأ قول الله تعالى : "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" - (آل عمران: 145)
ثم أقحم فرسه الماء ، وتبعه إخوانه بخيولهم ، فعبروا جميعاً كأنما يسيرون على اليابسة ، وصدوا حامية الفرس ، ليعبر سعد ببقية الجيش .
كان يوماً عظيماً ، وأمراً هائلاً ، وعملاً جاء امتداداً لمعجزات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجراه الله على أيدي أصحابه ، ولم يُر مثله من قبل .
سار على الماء بجوار "سعد بن أبي وقاص" : "سلمان الفارسي" ، وكان سعد يردد : حسبنا الله ونعم الوكيل
والله لينصرنَّ الله وليَّـه ، وليظهرن دينه
وليهزمنَ الله عدوه ، إن لم يكن في الجيش بغي ، أو ذنوب تغلب الحسنات .
خرج الجميع من الماء ، وساقوا وراء الأعاجم ، حتى دخلوا المدائن وكان الفتح المبين ، ونزل سعد في القصر الأبيض ، واتخذ الإيوان مصلى وارتفع صوت الحق في معقل المجوسية ، وحصنها الحصين ، وعلا صوت سعد بالقرآن الكريم : "كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين *" - (الدخان :25-26-27-28-29)
ثم تقدم إلى صدر الإيوان وصلى للفتح ثماني ركعات .
.....................
دروس وعبر
الإخلاص
عنصر الإخلاص من أهم عوامل حسم المعركة لصالح المخلصين ، إنه حبل الرجاء الذي يربطه أصحابه بمدد السماء ، ويقوي عزائمهم على المضي في خوض معركة العقيدة وجهاد الدعوة ، مستشعرين لطف الله وتأييده ، وهذا الرجاء الصادق هو السبب الرئيس في التفوق ، والتغلب على الأعداء ، إنه السلاح الفعال الذي أحرزه المؤمنون ، وخلت منه ذخيرة العدو : " وترجون من الله ما لا يرجون "
(النساء: 104)
من هنا حرص سعد ـ رضي الله عنه ـ على إثارة هذا المعنى في نفوس جنوده : "وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم ، فإنها سلاح خصكم الله تعالى به وفضَّلكم على من سواكم ، به انتصر أسلافكم ، وبه تقهرون عدوكم ، وتظفرون بأمانيكم ".
وتحقق لسعد ما أراد ، فاجتاز دجلة بجيشه ، كما اجتاز موسى البحر بقومه كلاهما جعل الله غايته ، وسار في كنف العناية : تحفظه القدرة ، وتحفه الألطاف الربانية ، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى : "إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين*" - (الشعراء : 61-62)
وكان شعار سعد : " نستعين بالله ، ونتوكل عليه ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ، فخرجوا من الماء بنعمة من الله وفضل ، لم يمسسهم سوء ، ولا نالهم أذى .
الرعيل الأول
تفرَّد جيل الصحابة بكثير من المزايا والبطولات ، ذلك أنهم تلقوا المنهج مشافهة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم وقفوا عند تعاليمه لا يتعدونها قيد شعرة ، ولا يخلون بتطبيق جزئية منها ، فآتى ثماره في حياتهم ، وارتقى بهم إلي القمة السامقة ، من محاسن الأخلاق ، ومحامد الفعال ، وكريم الصفات ، وانتشلهم من مساوئ بيئتهم ، وضلالات قومهم ، ليكونوا خير أمة أخرجت للناس ، فأرست دعائم حضارة
لم تنعم الإنسانية بمثلها منذ وجد الإنسان .
ثم تلقى جيل التابعين المنهج عن صحابة أوفياء ، وأساتذة أمناء كانوا هداة لهم بالأعمال ، والأفعال ، فعلموهم العلم والعمل ونقلوا إليهم عنصر النبوة بوضاءته وأنواره ، ومثلوه لهم واقعاً عملياً
حتى لكأنهم يعايشون نزول الوحي ـ غضاً ـ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستمر أثر المنهج
في حياتهم ، وأصبحوا امتداداً للجيل الرباني الفريد وجزءًا مكملاً له .
والدارس لتاريخ الأمة الإسلامية يرى أن تقدمها وازدهارها ، أو تخلفها وانحدارها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قربها من منهج الله أو بُعدها عنه .
فما من فترة جعلت منهج الله نبراسها وهاديها إلا قادها إلى الخير والنصر والتقدم والازدهار .
وما اتخذت منهج الله وراءها ظهرياً إلا انفرط عقدها ، وتغلب عليها من هو أقل منها عدداً وأضعف عتاداً ، فاحتل أرضها ، وفرّق شملها ، واستباح حماها ، وعاشت معه حياة ضنك وبلاء ، لا يخرجها منها إلا عودة صادقة إلى منهج الله عز وجل .
لم تشغل روعة المدائن ، وأبهة الإيوان سعداً وجيشه ، ولم يخطف أبصارهم بريق الذهب والفضة ، والأثاث والرياش ، ولا ما جمعه الأكاسرة وشادوه على امتداد قرون من حضارتهم ، نعم لم يلقوا عصى التسيار
وعدة الجهاد ليجنوا ثمرات الفتح ، فينعموا بالجميلات من النساء ، ويخلدوا إلى الراحة والمتعة في الظلال الوارفة ، يستعذبون صافي الماء ، ويستنشقون نقي الهواء ، لا ، لم يخطف بريق النصر أبصارهم ، بل توجهوا إلى خالقهم بالشكر على ما أنعم ، وبالدعاء أن يديم النعمة والانتصار فخطَّوا قبلتهم ، وصلوا صلاة الفتح ، حمداً لله على سابغ نعمته ووافر فضله .
إنهم بهذا يتجردون من حولهم وقوتهم ، ويردون الأمر لصاحبه الذي خلق ورزق وآوى ونصر .
أسباب النصر
بكلمات معدودات لخّص "سعد بن أبي وقاص" هذه الأسباب فقال : "والله ليظهرنَ الله دينه ، وليهزمنَ عدوه : إن لم يكن في الجيش بغي ، أو ذنوب تغلب الحسنات".
إنها الحقيقة التي لا يمارى فيها ، فإن البغاة إذا انتصروا ازدادوا عتواً عن أمر ربهم ، وعصوه في عباده
وعطلوا أحكام دينه ، ومنعوا مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه ، وسعوا في خرابها ، ثم تولوا في الأرض ليفسدوا فيها ، ويُهلكوا الحرث والنسل ، ويحاربوا الناس في أقواتهم ، ويعتدوا على حرماتهم ، فما كان الله ليمد هؤلاء بنصره إن الله بالناس لرؤوف رحيم .
إن الجيوش التي تستمرئ الذنوب ، وتنهكها المعاصي غير مؤهلة للذود عن حرمات الأمة أو الذب عن حياضها ، فضلاً عن حمل الرسالة ، وتسنُّم الموقع الطليعي أو القيادي !
فمن استسلم لأهوائه ، وانقاد لشهواته ، فمكانه خارج حلبة القتال ، وقيادة الجيوش .
واجب القائد
قائد كل عمل هو العقل المدبر ، والفكر المخطط لإنجاح عمله ، وبمقدار حبِّـه لعمله ، وحرصه على إنجاحه يستقيم العمل وينجح .
قائد الجيش ليس بدعاً بين القيادات ، فهو المدبر لشؤون جنده ، الحريص على تأمين سلامتهم ، ومعرفة مشكلاتهم ، يجنبهم مواطن الهلاك ويدفع عنهم أسباب الضر كافة .
إنه واحد منهم ، لا يستأثر بشيء دونهم ، ولا يتخلف عن معركة ، أو موقعة يخوضونها .
هذا ما اتسم به موقف سعد ـ رضي الله عنه ـ : فقد أعلن للجيش عزمه على عبور دجلة دون أن يجبر أحداً منهم على ذلك ، ولما تدافع ذوو البأس من الرجال تريث مع جمهرة الجيش ، ولم يدفعه الحماس إلى المخاطرة بالجميع ، فلابد من الاطمئنان إلى نجاح التجربة ، وسلامة المغامرين ، فإن نجحت خاضوها جميعاً ، وإن أخفقت سلمت له غالبية جيشه ليحول المعركة إلى ميدان آخر .
واقع مرير
لا تتحقق العبرة من دراسة التاريخ إلا بإسقاطه على الواقع ، قال تعالى : "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" - (يوسف : 111)
والناظر في واقع غالبية جيوشنا يرتد طرفه حسيراً أسيفاً، إذ حيل بينهم وبين الفضيلة والأخلاق ، وهُيئت لهم جل أسباب الفساد ففشت فيهم المعاصي والذنوب ، فعادوا من معاركهم مشاة في وهج الشمس ولفح الهجير ، وقد جلبوا معهم الخيبة والهزيمة ، وما كان أسهل النصر لو أعدوا له عدته :
رباه قد أصبحت أرواحنا شيعاً = فامنن علينا براعٍ أنت ترضـاهُ
راعٍ يُعيد إلـى الإسـلام سيرتـه = يرعـى بنيـه وعيـن الله ترعـاه
khaled
????- زائر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى